المفكر الأخلاقي والمصلح الاجتماعي ” ليو تولستوي “
سيرته ونشأته
ليو تولستوي عميد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، ولد في التاسع من سبتمبر 1828م في مقاطعة (تولا) بروسيا. نشأ في بيئة ارستقراطية. تلقى تعليمه الأولي في المنزل ثم التحق ببرنامج لتعلم اللغات الشرقية في جامعة قازان، ولكنه لم يستمر في هذا البرنامج بسسب حصوله على درجات منخفضة أجبرته على الاانتقال إلى برنامج القانون لأنه أسهل، ولكنه فشل في القانون أيضًا فترك الجامعة من دون شهادة, وعاد إلى منزله ليصبح مزارعًا، وللأسف لقد باءت محاولته في أن يكون مزارعًا بالفشل أيضًا. بعدها انضم تولستوي إلى الجيش بجبال القوقاز – نزولًا على نصيحة أخيه الأكبر (نيكولاي) –وقاتل في حرب القرم في أغسطس عام 1855م.
مشواره الفني
بدأ مشواره الفني بكتابة سيرته الذاتية والتي أطلق عليها اسم (الطفولة) وقدمها لصحيفة ( كونتيمبوراري) التي نشرتها ولاقت القبول والذيوع، ثم كتب عن يومياته في مواقع الجيش بقوقاز وبالرغم من استمرار حرب القرم إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة وفي هذه اليوميات قدم وجهات نظره عن التناقضات البارزة في الحرب، وبمجرد انتهاء حرب القرم ترك تولستوي الجيش ، وعاد إلى وطنه روسيا ليجد نفسه مطلوبًا بشكل كبير في الساحة الأدبية؛ ولأنه معتد بنفسه رفض الانضمام لأي مدرسة فكرية معينة، واتجه إلى باريس وتزوج هناك ابنة طبيب اسمها صوفيا أندرييفنا. وللأسف خسر كل أمواله هناك في المراهنة الأمر الذي أجبره على العودة إلى دياره في روسيا، ناشرًا رواية الشباب التي تعد الجزء الثالث من ثلاثية سيرته الذاتية.
تجلى إبداع تولستوى في روايته الأولى ( الحرب والسلام) في عام 1873م.
وبعد نجاح رواية (الحرب والسلام) عمل على نشر ثاني أفضل رواياته وهي رواية (آنا كارنينا ) والتي تم نشرها على مراحل ما بين أعوام 1873: 1877م. وبعدها حصل على حقوق الملكية فنمت ثروته بسرعة.
استمر تولستوي في كتابة رواياته حتى تسعينيات القرن التاسع عشر، واهتم في كتاباته بالحكايات الأخلاقية والروايات الواقعية.
من أهم أعماله:
رواية ( موت إيفان إيليتش) عام 1886م.
رواية (الأب سرجيوس) عام 1898م.
رواية (القيامة).
( مقالات عن الفن).
مسرحية (الجثة الحية) عام 1890م.
رواية (الحاج مراد) عام 1904م . والتي تم اكتشافها بعد وفاته.
تولستوي و السماحة الدينية
أعجب تولستوي بنبي الإسلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أنار أبصار الوثنيين أصحاب الحروب بنور الإيمان، وأعلن أن الناس سواسية أمام الله، ونادى بالتسامح الديني فكتب كتابه (حكم النبي محمد)
ومن أقواله في النبي محمد صلى الله عليه وسلم : ” ومما لا ريب فيه أن النبي محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ويكفيه فخراً أنه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهذا عمل عظيم لا يقوم به شخص مهما أوتي من قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال “.
و مع أنه لم يقل إن محمدًا نبي الله الوحيد فقد آمن أيضاً بنبوة موسى والمسيح- عليهما السلام- ودعا قومه إلى هذا الاعتقاد أيضاً وقال إن اليهود والنصارى لا ينبغي أن يكرهوا على ترك دينهم بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبيائهم
وبالرغم مما سبق إلا أنه عانى من أزمة روحية بسبب بحثه عن معنى الحياة، فذهب إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، لكنه لم يجد الإجابات التي أرادها هناك، و بسبب إيمانه بـ مُعتقدات روحية غير عادية، و مثيرة للجدل، تم طرد تولستوي من جانب الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. و أصبح يتم مُراقبَتِهِ من الشرطة السرية. الأمر الذي دفعه إلى التخلي عن أمواله، وسبب ضغط على زواجه حتى توصل إلى حل وسط بعد أن أعطى زوجته حق التأليف والنشر، وجميع الحقوق لجميع كتاباته التي سبقت عام 1881م.
وفاته
عاش تولستوي ثلاثين عامًا كزعيم أخلاقي وديني إلى أن عصفت بحياته أزمة المعتقدات الروحية، فاضطرب زواجه‘ وساءت سمعته مع الصحافة، فلجأ إلى الهروب بسبب الاستياء المتزايد من زوجته في أكتوبر عام 1910م مع ابنته ألكسندر فسافر إلى الأماكن المقدسة، ولكن رحلة السفر كانت شاقة عليه فاستضافه مدير محطة القطار في (استابوفو) وفتح له منزله في نوفمبر 1910م، وبعد فترة قصيرة بمنزل مدير محطة القطار صعدت الروح لبارئها في 20 نوفمبر 1910م، وتم دفنه في مزرعة الأسرة في مقاطعة (تولا) في المكان الذي شهد مسقط رأسه وسط أحبائه. تاركًا للإنسانية روايات تولستوي ، والتي يعد أفضلها رواية (الحرب والسلام) والتي وُصِفَت بأنها الرواية الأعظم لتولستوي على الإطلاق.